هجرة شباب مصر ...فرار إلى المجهول
2/12/2007
مقدمة:
ان انتقال البشر من بلد أصلي للعمل فى بلد آخر مستضيف لا يمكن اعتبارها كظاهرة جديدة، بل هى ظاهرة إنسانية طبيعية وقديمة قدم التاريخ عرفتها، وستعرفها كل الشعوب ومنها منطقة الاتحاد الأوروبي، وستستمر لفترات طويلة من الزمن، مادام هناك تباين في الموارد وفرص العمل ووسائل وأساليب الحياة سواء على المستوى الإقليمى أو الدولي ، إضافة إلى استمرار حاجة الدول المتقدمة لاستقبال مهاجرين جدد وذلك لأسباب مختلفة ، وتبقى عملية البحث عن الأفضل من أهم العوامل المؤثرة على تيارات الهجرة وتحديد اتجاهاتها .
وفي ضوء توقيع اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية وسياسات الجوار، فمن الضرورى تعميق الحوار والتشاور بين البلدان المصدرة للعمالة والبلدان المستقبلة لها حول أسباب ودوافع الهجرة وليس فقط من باب القضاء على تيارات الهجرة غير الشرعية ، وإنما وفق رؤية شمولية واضحة المعالم تساعد فى اتخاذ إجراءات تنموية حقيقية تفتح المجال لشراكة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار تشابك المصالح وتبادل المنافع بشكل متوازن بين الطرفين المصري والأوروبي. وفي إطار الحديث عن موضوع الهجرة، فواجب الإشارة إلى عدة حقائق ، أهمها:
* تمثل الهجرة إلى الدول المتقدمة من أجل العمل عنصراً هاماً من عناصر التخفيف من حدة البطالة ومكافحة ظاهرة الفقر والتنمية ليس على مستوى مصر فحسب وإنما المنطقة العربية ، وعند الحديث عن هجرة الشباب المصري إلى الدول الأوروبي ، فنجد أننا تتعامل مع جانب هام من جوانب علاقاتنا مع أحد أهم شركائنا وهو الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء التى يقيم بها الآلاف من أبنائنا .
* تمثل الهجرة ظاهرة صحية ومصدراً للإثراء الاقتصادى والاجتماعى والثقافى لمختلف الأطراف ، الأمر الذى يتطلب من جانب الحكومة المصرية إدارة جيدة تقوم على تناول الظاهرة من خلال منهج شامل متكامل يعالج كافة أبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومن خلال التصدى لجذورها،بحيث لا يكون التركيز على بعد واحد وهو البعد الأمنى ، على حساب الأبعاد الأخرى .
* أهمية وجود سياسات وطنية متجانسة ومتناسقة تأتى نتاجاً لتنسيق كامل بين كافة وزارات وأجهزة الدولة المعنية بموضوع الهجرة ، بما يمثل حافزاً لبلورة الرؤية الشاملة لسياسات الهجرة. وفى هذا السياق ، تأتى أهمية التركيز على قضايا بناء القدرات المؤسسية لتلك الوزارات والأجهزة الوطنية وتنمية مواردها البشرية.
* تشكل قضية تأهيل العمالة المصرية أهمية خاصة لخدمة أهداف التنمية، وكذلك لجعلها تتوافق مع احتياجات أسواق العمل الخارجية عامة والأوروبية خاصة ، ومن الأهمية أن يتعاون الاتحاد الأوروبي فى تحقيق هذا الهدف، بما يحقق مصلحة مشتركة للطرفين المصري والأوروبي .
* تعد قضية التحويلات أحد أهم الأبعاد التنموية للهجرة،حيث تسهم في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لما تمثله من مورد هام للنقد الأجنبى ، فإنه من المفيد دراسة أفضل السبل لتعظيم الاستفادة من هذه التحويلات بل وزيادتها واستثمارها في المشروعات الإنمائية وعدم قصرها على الخدمات المباشرة .
* أهمية البعد الثقافى للهجرة وإسهامها فى تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب ، الأمر الذى يتطلب تكثيف الحوار بين الجانبيين، ومحاربة التمييز والعنصرية وازدراء الأديان وحماية حقوق المهاجرين وكرامتهم ،من ثم أهمية وتوظيف الأدوات الإعلامية فى تغيير المفاهيم والصور الخاطئة عن المهاجر .
وفي ضوء الأهمية البالغة لملف الهجرة إلى الدول الأوروبية ، نجد أنه قد تنامت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية ، فرغم مشقة هذه الهجرة وآثارها الوخيمة، سواء الموت غرقًا أو السجن.. إلا أن هناك إقبالاً كبيرًا من الشباب المصري على الفرار من أرض الوطن إلى حيث المجهول، وهو فراراً من واقع بائس إرتأه الشباب على أنه خلاص طالما ضاقت بلادهم عليهم ولم يجدوا قوت يومهم.ومن هنا بات مشهد القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبي الهجرة مشهد يتكرر كذلك في مصر، حيث يستقل هؤلاء الشباب بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلى ليبيا ومن هناك إلى أوروبا أو للسفر بها إلى قبرص أو اليونان مباشرة.
وبمراجعة الواقع المعاش ، نجد أن هناك عدة عوامل أسهمت في جعل الهجرة غير الشرعية في مصر بمثابة ظاهرة مستفحلة ، ولعل أهمها ارتفاع معدلات الفقر ونسبة البطالةـ وعدم تواجد فرص عمل هذا من ناحية ، وغياب وجود استراتيجية قومية لمكافحة هذه الظاهرة ووضع حلولاً عملية لذلك، الأمر الذي يتطلب رؤية وخطة واضحة لهذا الموضوع .
ويدفع تزايد أعداد الشبان المصريين الغرقى في مياه البحر الأبيض المتوسط، خلال محاولات تسلل إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ملف “الهجرة غير الشرعية” إلى البروز على السطح من جديد، خاصة في ضوء ارتفاع أعداد الضحايا وعجز السلطات المصرية عن الحد من تلك الظاهرة.ويأتي تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن "هجرة شباب مصر ...فرار إلى المجهول" لبيان حجم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا ، أسبابها ودوافعها، آلياتها ووسائلها ، كيفية التغلب عليها ، كما يتضمن التقرير شهادات حية لأهالي بعض الضحايا من الشباب المصري.
القسم الأول : الهجرة غير الشرعية ..التعريف وحجم الظاهرة
تعرف الهجرة في علم السكان ( الديموغرافيا Demographie) بأنها الانتقال -فرديا كان أم جماعيا- من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا أم سياسيا. أما في علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها.
وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أميركا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بتاتا بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا.
حجم الظاهرة :
ويصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية نظراً لطبيعة هذه الظاهرة، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافا متباينة من المهاجرين فمنهم:
* الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية إلى دول الاستقبال ولا يسوون وضعهم القانوني.
* الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
* الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
وتتضارب التقديرات بشأن الهجرة غير الشرعية، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص.وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل نحو 1.5 مليون فرد.
وتقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص، وتقدر الإحصاءات الدولية عدد الشبان المصريين الذين نجحوا في دخول العديد من دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية بنحو 460 ألف شاب، من بينهم نحو 90 ألفا يقيمون في إيطاليا بشكل غير شرعي.
وقد سجلت احصائيات الأمن الإيطالية وحدها في الربع الأول من العام الحالي استقبال سواحل كالابريا 14 زورقًا محملة بأكثر من 1500 مهاجر غير شرعي معظمهم من المصريين ، وبلغ إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا ايطاليا عام 2007عن طريق البحر نحو 1419 مهاجراً ، لقي 500 مهاجر مصرعهم في البحر المتوسط حتى الآن مقابل 302 مهاجر فقط خلال عام 2006 بأكمله .وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشباب المصريين الذين تم ترحيلهم من دول جنوب إفريقيا خلال عام 2006 بلغ 6748 شابًا،وهناك حوالي 8 آلاف شاب من إحدى قرى محافظات مصر يقيمون في ميلانو الإيطالية وحدها.
مراحل الهجرة: شكلت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي مرحلة حاسمة في رسم معالم جديدة للهجرة المصرية إلى الخارج و خاصة إلى حوض المتوسط، حيث تميزت بتسجيل تدفق واسع لأنواع الهجرة من الجنوب، وهو ما يمكن تقسيمه إلى ثلاث محطات زمنية مترابطة ومتداخلة وهي:
المرحلة الأولى (قبل 1985):
وخلال هده المرحلة كانت الدول الأوروبية لا تزال بحاجة ماسة إلى مزيد من العمالة القادمة من الجنوب, كما أن الدول الأوروبية نفسها كانت متحكمة في حركة تدفق المهاجرين من الجنوب عبر قنوات التجمع العائلي. وأهم ما ميز هذه المرحلة أن المهاجر الجنوبي تمكن من فهم قواعد اللعبة في دول الشمال وصار يطالب بحق دخول أبنائه المدارس الحكومية وبداية بلورة الخطابات الحقوقية للمهاجر.كل هذه العناصر بدت بالنسبة للمهاجرين "القادمين" في دول الجنوب محفزة لهم للالتحاق بنظرائهم, ويبدو أن الكثير منهم استفاد من غفلة الأنظمة الأمنية الأوروبية في هذه المرحلة بالذات. و في ذات الوقت نجد أنه كان هناك هجرة كبيرة إلى دول الخليج النفطية الأمر الذي لم يمثل عبء كبيراً على الدول الأوروبية بكم كبير من المهاجرين المصريين ، حيث قدم بيركس و سنكلير تقديريهما عن حجم العمالة المصرية في الخارج لعام 1975 بما يبلغ 383245 مهاجراً بنسبة 61% ، في حين جاءت تقديرات البنك الدولي للهجرة لنفس العام بنحو 353300 مهاجراً، و في عام 1983 ظهر تقدير ثاني لبيركس و سنكلير عن الهجرة و اعتبر تعديلاً للتقرير الأول أكد أن معدل الهجرة بلغ عام 1980 نحو 695650مهاجراً، و تم تعديله ليصبح 803 ألف ليشمل زيادة عدد المهاجرين إلى العراق ، أما مسح الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء في عام 1987 فقدر عدد أعداد المهاجرين المصريين بنحو 1.964 مليون فرد .
المرحلة الثانية (1985-1995):
تميزت هذه المرحلة ببداية ظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين الشرعيين ومزاحمتهم أبناء البلد الأصليين، وقد تزامن هذا الفعل مع إغلاق مناجم الفحم في كل من فرنسا وبلجيكا التي كانت تستوعب آنذاك اكبر عدد من المهاجرين الشرعيين. وفي مقابل هذا الوضع الاحترازي تزايدت رغبة أبناء الجنوب في الهجرة تجاه دول الشمال و خاصة في ظل انتهاء مرحلة الرواج النفطي الهائل و بروز مرحلة الانكماش الاقتصادي المتمثل في انخفاض مستويات الدخل القومي في الدول النفطية، و من ثم تناقص الطلب على العمالة الأجنبية في دول الخليج و لكن ظلت معدلات عرض العمالة على ما هو عليه ، لذا كان من الطبيعي أن تتجه هذه الزيادة إلى الهجرة بالدول الأوروبية بشراسة .
ففي 19 يونيو 1995 ومع دخول "اتفاقية شنجن"الموقعة بين كل من فرنسا وألمانيا ولكسمبورج وهولندا حيز التنفيذ تم السماح بموجبها بحرية تنقل الأشخاص المنتمين إلى الفضاء الأوروبي. لكن مع دخول كل من إسبانيا والبرتغال إلى هذا الفضاء اتخذت قضية الهجرة أبعادا غير متوقعة, لاسيما بعد لجوء سلطات مدريد إلى فرض مزيد من الإجراءات الاحترازية أمام أي عملية هجرة جديدة، وذلك في محاولة لمنح مواطنيها مزيدا من الاندماج في الاتحاد الأوروبي.
في هذه المرحلة تبرز مفارقة كبيرة تتمثل في الاتفاقيات الدولية الصادرة في العام 1990 المخصصة لـ "حماية حقوق العمال المهاجرين وأهاليهم" والتي صادقت عليها تسع دول من الجنوب في العام 1998. ووجه المفارقة هنا هي أن هذه الاتفاقية لم تحظ بقبول أي دولة أوروبية وهو الأمر الذي يفسر الرغبة الأوروبية في التعامل مع هذا المعطى الجديد من منظور جديد ولو تم الأمر على حساب الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية الداعية إلى الحق في التنقل والبحث عن غد أفضل.
المرحلة الثالثة (1995-الى الآن):
أخذت هذه المرحلة طابعا أمنيا صارما لجأت من خلاله الدول الأوروبية إلى نهج سياسة أمنية صارمة عبر تنفيذ قرارات "القانون الجديد للهجرة" والذي يستند إلى تبني إجراءات صارمة بخصوص مسألة التجمع العائلي، وإبرام اتفاقيات مع دول الجنوب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.وكرد فعل تجاه هذه السياسة بدأ ما يعرف الآن بالهجرة غير الشرعية/السرية والتي تحيل على عملية الالتحاق بالديار الأوروبية بدون وجه قانوني.
القسم الثاني: الهجرة غير الشرعية ...الأسباب والدوافع
العزف على وتيرة العيش الرغيد وحلم الثراء والخلاص من عسر الحياة هو ما تستعمله عموماً عصابات الهجرة غير الشرعية لاجتذاب الشباب المصري.
ويقع الشباب في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة والفساد الإداري والجماعات الإجرامية المنظمة الذين يتقاضون من كل شاب ما يقرب من 30 ألف جنيه للسفر، وتنتشر على الحدود مع ليبيا أو فى بعض محافظات الصعيد عصابات للنصب على الشباب، وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم فى أيطاليا أو أوروبا ثم يهربون بهذه الأموال دون أن يحاسبهم أحد...وتنتهى رحلة الشباب إما بالموت أو السجن والترحيل. ونتيجة لعدم توفر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية يلقون حتفهم وهم في طريقهم إلى أحد الموانىء الإيطالية حيث يتم تسفيرهم على متن مراكب قديمة ومتهالكة والنتيجة غرقهم وسط البحر المتوسط وحتى من ينجو منهم ويصل إلى ايطاليا يعتبر مخالفاً للقوانين الإيطالية، ويتم إعادته مرة أخرى إلى أرض الوطن مرحلاً مهاناً إلى بلده مرة أخرى. فالهجرة غير الشرعية أصبحت السوق السوداء للاتجار بالشباب.
وهناك طرق عديدة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين، منها الطرق البرية عن طريق التسلل إلى ليبيا، حيث يتم تهريب المهاجرين إلى إيطاليا ومالطا وعن طريق الأردن يتم تهريب المهاجرين إلى قبرص واليونان أو تركيا.
وتؤكد الاحصائيات أن معظم الشباب الذين يهاجرون بطريقة غير شرعية من محافظات الوجه البحرى...الغربية، والمنوفية، والشرقية، والدقهلية.
وتعد محافظة الفيوم اكثر المحافظات المصرية ارتفاعا في نسبة هجرة أبنائها لأوروبا، فمن أكثر القرى الفيومية التى اشتهرت بسفر شبابها إلى أوربا قرية (تطون) حيث تعد الأشهر على مستوى الجمهورية في هجرة الشباب خاصة إيطاليا، حيث يقدر عدد أبنائها فى إيطاليا بحوالي 6 آلاف شاب من 40 ألف نسمة هم إجمالي سكان القرية، ويقال أن اسم تطون مأخوذ عن اسم أحد شوارع إيطاليا..وتطلق القرية أسماء إيطالية على المحال التجارية بها.
وقد تميزت عصابات الهجرة غير الشرعية في مصر بابتداع بعض الأساليب الخاصة بها،ومن ذلك على سبيل المثال:
*الزواج من مواطنات دول أوروبا الشرقية:
في عام 2004 نشط بعض الشباب المصري الراغب في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في الزواج من مواطنات هذه الدول حتى يتمتع بوضع قانوني مميز فور انضمام هذه الدول إلى الاتحاد ويصبح بالتالي من حق مواطنيها التنقل بحرية بين دوله ثم التمتع بجنسية هذه الدول فيما بعد. لاحظت سلطات الأمن المصرية كثرة قدوم النساء من دول أوروبا الشرقية إلى مصر بهدف الزواج من المصريين الراغبين في السفر إلى أوروبا عن طريق وسطاء تابعين لمافيا الهجرة الدولية مقابل مبلغ من المال يتراوح بين 15 إلى 45 ألف جنيه .
لم تكن وزارة الخارجية وسلطات الأمن التي لاحظت هذا الأمر، ولكن حكومات هذه الدول نفسها تنبهت له وبدأت في اتخاذ عدة تدابير للحد منه، فراحت تغير من قوانينها وتشريعاتها خاصة بعد انضمامها الفعلي العام الماضي إلى الاتحاد لكي تتواءم قوانين الهجرة والجنسية لديها مع بقية دول الاتحاد ولتسد الباب أمام مثل هذه الطرق التي تحاول الالتفاف والتحايل لتحقيق حلم الهجرة.
تمزيق الجوازات في صالات الترانزيت:
من الوسائل أيضا تزوير تأشيرات الدخول إلى دول أميركا اللاتينية وبعض البلدان الأفريقية من خلال النزول "ترانزيت" في مطارات الدول الأوروبية، التي ما إن يضع الشاب المصري قدمه فيها حتى يسارع بتمزيق جوازات السفر التي يحملها ويطلب اللجوء إلى هذه الدول وعدم استكمال رحلته إلى وجهته المنصوص عليها في تأشيرة السفر.
كل ذلك يتم بالتنسيق مع عصابات متخصصة في مثل هذا النوع من عمليات التزوير. غير أن سلطات الأمن في مطارات الدول الأوروبية التفتت إلى هذه الطريقة فبادرت بترحيل هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية مرة أخرى وعدم السماح لهم بدخول أراضيها.
أسباب الهجرة:
تعتبر الهجرة غير الشرعية (أو السرية) ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خاصة المتقدم، لكن الهجرة إلى أوروبا أصبحت إحدى القضايا المزعجة، التي تحظى باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب. ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتي تشهد - غالبًا - افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين، فالفوارق الاقتصادية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وتتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من مناطق الجنوب بعد أن تعثرت مشاريع التنمية، ويزداد البؤس، وتتواجد أنظمة ديكتاتورية، وتوجد قضايا أقليات ونزاعات إقليمية، إلى جانب انتشار الفقر والبطالة وحدوث الكثير من الكوارث الطبيعية المتمثلة في الزلازل والفيضانات والجفاف.
أما بالنسبة لأسباب هجرة المصريين ، فتتضافر عدة عوامل جاعلة الهجرة الغير شرعية للشباب المصري بمثابة ظاهرة، ولعل أهمها ارتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وعدم توافر فرص عمل ، فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية، حيث وصلت إلى 10% عام 2002 ، وفي عام 2003 زادت النسبة إلى 10.7% ، وزادت هذا العام إلى أكثر من 11%، لذلك نجد الشباب يتجه إلى الهجرة غير الشرعية ، و فقدان الشباب الأمل في إيجاد فرص العمل سواء في تخصصاتهم أو حتى في غيرها التي أصبح البحث عنها كالحلم الذي يلوح من بعيد ولا يستطيع احد تداركه .
فاستمرار الحكومة في سياسة الإعتماد على القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل للشباب يؤدي إلى تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلى الإنتحار الجماعي في البحر المتوسط، فقد تم إلغاء تعيين الخريجين منذ عام 1984 سواء الحاصلين على المؤهلات المتوسطة أو خريجي الجامعات الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المهاجرين المصريين إلى أوروبا.
2/12/2007
مقدمة:
ان انتقال البشر من بلد أصلي للعمل فى بلد آخر مستضيف لا يمكن اعتبارها كظاهرة جديدة، بل هى ظاهرة إنسانية طبيعية وقديمة قدم التاريخ عرفتها، وستعرفها كل الشعوب ومنها منطقة الاتحاد الأوروبي، وستستمر لفترات طويلة من الزمن، مادام هناك تباين في الموارد وفرص العمل ووسائل وأساليب الحياة سواء على المستوى الإقليمى أو الدولي ، إضافة إلى استمرار حاجة الدول المتقدمة لاستقبال مهاجرين جدد وذلك لأسباب مختلفة ، وتبقى عملية البحث عن الأفضل من أهم العوامل المؤثرة على تيارات الهجرة وتحديد اتجاهاتها .
وفي ضوء توقيع اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية وسياسات الجوار، فمن الضرورى تعميق الحوار والتشاور بين البلدان المصدرة للعمالة والبلدان المستقبلة لها حول أسباب ودوافع الهجرة وليس فقط من باب القضاء على تيارات الهجرة غير الشرعية ، وإنما وفق رؤية شمولية واضحة المعالم تساعد فى اتخاذ إجراءات تنموية حقيقية تفتح المجال لشراكة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار تشابك المصالح وتبادل المنافع بشكل متوازن بين الطرفين المصري والأوروبي. وفي إطار الحديث عن موضوع الهجرة، فواجب الإشارة إلى عدة حقائق ، أهمها:
* تمثل الهجرة إلى الدول المتقدمة من أجل العمل عنصراً هاماً من عناصر التخفيف من حدة البطالة ومكافحة ظاهرة الفقر والتنمية ليس على مستوى مصر فحسب وإنما المنطقة العربية ، وعند الحديث عن هجرة الشباب المصري إلى الدول الأوروبي ، فنجد أننا تتعامل مع جانب هام من جوانب علاقاتنا مع أحد أهم شركائنا وهو الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء التى يقيم بها الآلاف من أبنائنا .
* تمثل الهجرة ظاهرة صحية ومصدراً للإثراء الاقتصادى والاجتماعى والثقافى لمختلف الأطراف ، الأمر الذى يتطلب من جانب الحكومة المصرية إدارة جيدة تقوم على تناول الظاهرة من خلال منهج شامل متكامل يعالج كافة أبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومن خلال التصدى لجذورها،بحيث لا يكون التركيز على بعد واحد وهو البعد الأمنى ، على حساب الأبعاد الأخرى .
* أهمية وجود سياسات وطنية متجانسة ومتناسقة تأتى نتاجاً لتنسيق كامل بين كافة وزارات وأجهزة الدولة المعنية بموضوع الهجرة ، بما يمثل حافزاً لبلورة الرؤية الشاملة لسياسات الهجرة. وفى هذا السياق ، تأتى أهمية التركيز على قضايا بناء القدرات المؤسسية لتلك الوزارات والأجهزة الوطنية وتنمية مواردها البشرية.
* تشكل قضية تأهيل العمالة المصرية أهمية خاصة لخدمة أهداف التنمية، وكذلك لجعلها تتوافق مع احتياجات أسواق العمل الخارجية عامة والأوروبية خاصة ، ومن الأهمية أن يتعاون الاتحاد الأوروبي فى تحقيق هذا الهدف، بما يحقق مصلحة مشتركة للطرفين المصري والأوروبي .
* تعد قضية التحويلات أحد أهم الأبعاد التنموية للهجرة،حيث تسهم في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لما تمثله من مورد هام للنقد الأجنبى ، فإنه من المفيد دراسة أفضل السبل لتعظيم الاستفادة من هذه التحويلات بل وزيادتها واستثمارها في المشروعات الإنمائية وعدم قصرها على الخدمات المباشرة .
* أهمية البعد الثقافى للهجرة وإسهامها فى تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب ، الأمر الذى يتطلب تكثيف الحوار بين الجانبيين، ومحاربة التمييز والعنصرية وازدراء الأديان وحماية حقوق المهاجرين وكرامتهم ،من ثم أهمية وتوظيف الأدوات الإعلامية فى تغيير المفاهيم والصور الخاطئة عن المهاجر .
وفي ضوء الأهمية البالغة لملف الهجرة إلى الدول الأوروبية ، نجد أنه قد تنامت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية ، فرغم مشقة هذه الهجرة وآثارها الوخيمة، سواء الموت غرقًا أو السجن.. إلا أن هناك إقبالاً كبيرًا من الشباب المصري على الفرار من أرض الوطن إلى حيث المجهول، وهو فراراً من واقع بائس إرتأه الشباب على أنه خلاص طالما ضاقت بلادهم عليهم ولم يجدوا قوت يومهم.ومن هنا بات مشهد القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبي الهجرة مشهد يتكرر كذلك في مصر، حيث يستقل هؤلاء الشباب بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلى ليبيا ومن هناك إلى أوروبا أو للسفر بها إلى قبرص أو اليونان مباشرة.
وبمراجعة الواقع المعاش ، نجد أن هناك عدة عوامل أسهمت في جعل الهجرة غير الشرعية في مصر بمثابة ظاهرة مستفحلة ، ولعل أهمها ارتفاع معدلات الفقر ونسبة البطالةـ وعدم تواجد فرص عمل هذا من ناحية ، وغياب وجود استراتيجية قومية لمكافحة هذه الظاهرة ووضع حلولاً عملية لذلك، الأمر الذي يتطلب رؤية وخطة واضحة لهذا الموضوع .
ويدفع تزايد أعداد الشبان المصريين الغرقى في مياه البحر الأبيض المتوسط، خلال محاولات تسلل إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ملف “الهجرة غير الشرعية” إلى البروز على السطح من جديد، خاصة في ضوء ارتفاع أعداد الضحايا وعجز السلطات المصرية عن الحد من تلك الظاهرة.ويأتي تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن "هجرة شباب مصر ...فرار إلى المجهول" لبيان حجم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا ، أسبابها ودوافعها، آلياتها ووسائلها ، كيفية التغلب عليها ، كما يتضمن التقرير شهادات حية لأهالي بعض الضحايا من الشباب المصري.
القسم الأول : الهجرة غير الشرعية ..التعريف وحجم الظاهرة
تعرف الهجرة في علم السكان ( الديموغرافيا Demographie) بأنها الانتقال -فرديا كان أم جماعيا- من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا أم سياسيا. أما في علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها.
وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أميركا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بتاتا بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا.
حجم الظاهرة :
ويصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية نظراً لطبيعة هذه الظاهرة، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافا متباينة من المهاجرين فمنهم:
* الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية إلى دول الاستقبال ولا يسوون وضعهم القانوني.
* الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
* الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
وتتضارب التقديرات بشأن الهجرة غير الشرعية، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص.وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل نحو 1.5 مليون فرد.
وتقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص، وتقدر الإحصاءات الدولية عدد الشبان المصريين الذين نجحوا في دخول العديد من دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية بنحو 460 ألف شاب، من بينهم نحو 90 ألفا يقيمون في إيطاليا بشكل غير شرعي.
وقد سجلت احصائيات الأمن الإيطالية وحدها في الربع الأول من العام الحالي استقبال سواحل كالابريا 14 زورقًا محملة بأكثر من 1500 مهاجر غير شرعي معظمهم من المصريين ، وبلغ إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا ايطاليا عام 2007عن طريق البحر نحو 1419 مهاجراً ، لقي 500 مهاجر مصرعهم في البحر المتوسط حتى الآن مقابل 302 مهاجر فقط خلال عام 2006 بأكمله .وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشباب المصريين الذين تم ترحيلهم من دول جنوب إفريقيا خلال عام 2006 بلغ 6748 شابًا،وهناك حوالي 8 آلاف شاب من إحدى قرى محافظات مصر يقيمون في ميلانو الإيطالية وحدها.
مراحل الهجرة: شكلت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي مرحلة حاسمة في رسم معالم جديدة للهجرة المصرية إلى الخارج و خاصة إلى حوض المتوسط، حيث تميزت بتسجيل تدفق واسع لأنواع الهجرة من الجنوب، وهو ما يمكن تقسيمه إلى ثلاث محطات زمنية مترابطة ومتداخلة وهي:
المرحلة الأولى (قبل 1985):
وخلال هده المرحلة كانت الدول الأوروبية لا تزال بحاجة ماسة إلى مزيد من العمالة القادمة من الجنوب, كما أن الدول الأوروبية نفسها كانت متحكمة في حركة تدفق المهاجرين من الجنوب عبر قنوات التجمع العائلي. وأهم ما ميز هذه المرحلة أن المهاجر الجنوبي تمكن من فهم قواعد اللعبة في دول الشمال وصار يطالب بحق دخول أبنائه المدارس الحكومية وبداية بلورة الخطابات الحقوقية للمهاجر.كل هذه العناصر بدت بالنسبة للمهاجرين "القادمين" في دول الجنوب محفزة لهم للالتحاق بنظرائهم, ويبدو أن الكثير منهم استفاد من غفلة الأنظمة الأمنية الأوروبية في هذه المرحلة بالذات. و في ذات الوقت نجد أنه كان هناك هجرة كبيرة إلى دول الخليج النفطية الأمر الذي لم يمثل عبء كبيراً على الدول الأوروبية بكم كبير من المهاجرين المصريين ، حيث قدم بيركس و سنكلير تقديريهما عن حجم العمالة المصرية في الخارج لعام 1975 بما يبلغ 383245 مهاجراً بنسبة 61% ، في حين جاءت تقديرات البنك الدولي للهجرة لنفس العام بنحو 353300 مهاجراً، و في عام 1983 ظهر تقدير ثاني لبيركس و سنكلير عن الهجرة و اعتبر تعديلاً للتقرير الأول أكد أن معدل الهجرة بلغ عام 1980 نحو 695650مهاجراً، و تم تعديله ليصبح 803 ألف ليشمل زيادة عدد المهاجرين إلى العراق ، أما مسح الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء في عام 1987 فقدر عدد أعداد المهاجرين المصريين بنحو 1.964 مليون فرد .
المرحلة الثانية (1985-1995):
تميزت هذه المرحلة ببداية ظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين الشرعيين ومزاحمتهم أبناء البلد الأصليين، وقد تزامن هذا الفعل مع إغلاق مناجم الفحم في كل من فرنسا وبلجيكا التي كانت تستوعب آنذاك اكبر عدد من المهاجرين الشرعيين. وفي مقابل هذا الوضع الاحترازي تزايدت رغبة أبناء الجنوب في الهجرة تجاه دول الشمال و خاصة في ظل انتهاء مرحلة الرواج النفطي الهائل و بروز مرحلة الانكماش الاقتصادي المتمثل في انخفاض مستويات الدخل القومي في الدول النفطية، و من ثم تناقص الطلب على العمالة الأجنبية في دول الخليج و لكن ظلت معدلات عرض العمالة على ما هو عليه ، لذا كان من الطبيعي أن تتجه هذه الزيادة إلى الهجرة بالدول الأوروبية بشراسة .
ففي 19 يونيو 1995 ومع دخول "اتفاقية شنجن"الموقعة بين كل من فرنسا وألمانيا ولكسمبورج وهولندا حيز التنفيذ تم السماح بموجبها بحرية تنقل الأشخاص المنتمين إلى الفضاء الأوروبي. لكن مع دخول كل من إسبانيا والبرتغال إلى هذا الفضاء اتخذت قضية الهجرة أبعادا غير متوقعة, لاسيما بعد لجوء سلطات مدريد إلى فرض مزيد من الإجراءات الاحترازية أمام أي عملية هجرة جديدة، وذلك في محاولة لمنح مواطنيها مزيدا من الاندماج في الاتحاد الأوروبي.
في هذه المرحلة تبرز مفارقة كبيرة تتمثل في الاتفاقيات الدولية الصادرة في العام 1990 المخصصة لـ "حماية حقوق العمال المهاجرين وأهاليهم" والتي صادقت عليها تسع دول من الجنوب في العام 1998. ووجه المفارقة هنا هي أن هذه الاتفاقية لم تحظ بقبول أي دولة أوروبية وهو الأمر الذي يفسر الرغبة الأوروبية في التعامل مع هذا المعطى الجديد من منظور جديد ولو تم الأمر على حساب الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية الداعية إلى الحق في التنقل والبحث عن غد أفضل.
المرحلة الثالثة (1995-الى الآن):
أخذت هذه المرحلة طابعا أمنيا صارما لجأت من خلاله الدول الأوروبية إلى نهج سياسة أمنية صارمة عبر تنفيذ قرارات "القانون الجديد للهجرة" والذي يستند إلى تبني إجراءات صارمة بخصوص مسألة التجمع العائلي، وإبرام اتفاقيات مع دول الجنوب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.وكرد فعل تجاه هذه السياسة بدأ ما يعرف الآن بالهجرة غير الشرعية/السرية والتي تحيل على عملية الالتحاق بالديار الأوروبية بدون وجه قانوني.
القسم الثاني: الهجرة غير الشرعية ...الأسباب والدوافع
العزف على وتيرة العيش الرغيد وحلم الثراء والخلاص من عسر الحياة هو ما تستعمله عموماً عصابات الهجرة غير الشرعية لاجتذاب الشباب المصري.
ويقع الشباب في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة والفساد الإداري والجماعات الإجرامية المنظمة الذين يتقاضون من كل شاب ما يقرب من 30 ألف جنيه للسفر، وتنتشر على الحدود مع ليبيا أو فى بعض محافظات الصعيد عصابات للنصب على الشباب، وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم فى أيطاليا أو أوروبا ثم يهربون بهذه الأموال دون أن يحاسبهم أحد...وتنتهى رحلة الشباب إما بالموت أو السجن والترحيل. ونتيجة لعدم توفر الوعي لدى هؤلاء الشباب بمخاطر الهجرة غير الشرعية يلقون حتفهم وهم في طريقهم إلى أحد الموانىء الإيطالية حيث يتم تسفيرهم على متن مراكب قديمة ومتهالكة والنتيجة غرقهم وسط البحر المتوسط وحتى من ينجو منهم ويصل إلى ايطاليا يعتبر مخالفاً للقوانين الإيطالية، ويتم إعادته مرة أخرى إلى أرض الوطن مرحلاً مهاناً إلى بلده مرة أخرى. فالهجرة غير الشرعية أصبحت السوق السوداء للاتجار بالشباب.
وهناك طرق عديدة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين، منها الطرق البرية عن طريق التسلل إلى ليبيا، حيث يتم تهريب المهاجرين إلى إيطاليا ومالطا وعن طريق الأردن يتم تهريب المهاجرين إلى قبرص واليونان أو تركيا.
وتؤكد الاحصائيات أن معظم الشباب الذين يهاجرون بطريقة غير شرعية من محافظات الوجه البحرى...الغربية، والمنوفية، والشرقية، والدقهلية.
وتعد محافظة الفيوم اكثر المحافظات المصرية ارتفاعا في نسبة هجرة أبنائها لأوروبا، فمن أكثر القرى الفيومية التى اشتهرت بسفر شبابها إلى أوربا قرية (تطون) حيث تعد الأشهر على مستوى الجمهورية في هجرة الشباب خاصة إيطاليا، حيث يقدر عدد أبنائها فى إيطاليا بحوالي 6 آلاف شاب من 40 ألف نسمة هم إجمالي سكان القرية، ويقال أن اسم تطون مأخوذ عن اسم أحد شوارع إيطاليا..وتطلق القرية أسماء إيطالية على المحال التجارية بها.
وقد تميزت عصابات الهجرة غير الشرعية في مصر بابتداع بعض الأساليب الخاصة بها،ومن ذلك على سبيل المثال:
*الزواج من مواطنات دول أوروبا الشرقية:
في عام 2004 نشط بعض الشباب المصري الراغب في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في الزواج من مواطنات هذه الدول حتى يتمتع بوضع قانوني مميز فور انضمام هذه الدول إلى الاتحاد ويصبح بالتالي من حق مواطنيها التنقل بحرية بين دوله ثم التمتع بجنسية هذه الدول فيما بعد. لاحظت سلطات الأمن المصرية كثرة قدوم النساء من دول أوروبا الشرقية إلى مصر بهدف الزواج من المصريين الراغبين في السفر إلى أوروبا عن طريق وسطاء تابعين لمافيا الهجرة الدولية مقابل مبلغ من المال يتراوح بين 15 إلى 45 ألف جنيه .
لم تكن وزارة الخارجية وسلطات الأمن التي لاحظت هذا الأمر، ولكن حكومات هذه الدول نفسها تنبهت له وبدأت في اتخاذ عدة تدابير للحد منه، فراحت تغير من قوانينها وتشريعاتها خاصة بعد انضمامها الفعلي العام الماضي إلى الاتحاد لكي تتواءم قوانين الهجرة والجنسية لديها مع بقية دول الاتحاد ولتسد الباب أمام مثل هذه الطرق التي تحاول الالتفاف والتحايل لتحقيق حلم الهجرة.
تمزيق الجوازات في صالات الترانزيت:
من الوسائل أيضا تزوير تأشيرات الدخول إلى دول أميركا اللاتينية وبعض البلدان الأفريقية من خلال النزول "ترانزيت" في مطارات الدول الأوروبية، التي ما إن يضع الشاب المصري قدمه فيها حتى يسارع بتمزيق جوازات السفر التي يحملها ويطلب اللجوء إلى هذه الدول وعدم استكمال رحلته إلى وجهته المنصوص عليها في تأشيرة السفر.
كل ذلك يتم بالتنسيق مع عصابات متخصصة في مثل هذا النوع من عمليات التزوير. غير أن سلطات الأمن في مطارات الدول الأوروبية التفتت إلى هذه الطريقة فبادرت بترحيل هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية مرة أخرى وعدم السماح لهم بدخول أراضيها.
أسباب الهجرة:
تعتبر الهجرة غير الشرعية (أو السرية) ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خاصة المتقدم، لكن الهجرة إلى أوروبا أصبحت إحدى القضايا المزعجة، التي تحظى باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتي في مقدمة هذه الأسباب. ويتضح ذلك من التباين الكبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتي تشهد - غالبًا - افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين، فالفوارق الاقتصادية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وتتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من مناطق الجنوب بعد أن تعثرت مشاريع التنمية، ويزداد البؤس، وتتواجد أنظمة ديكتاتورية، وتوجد قضايا أقليات ونزاعات إقليمية، إلى جانب انتشار الفقر والبطالة وحدوث الكثير من الكوارث الطبيعية المتمثلة في الزلازل والفيضانات والجفاف.
أما بالنسبة لأسباب هجرة المصريين ، فتتضافر عدة عوامل جاعلة الهجرة الغير شرعية للشباب المصري بمثابة ظاهرة، ولعل أهمها ارتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وعدم توافر فرص عمل ، فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية، حيث وصلت إلى 10% عام 2002 ، وفي عام 2003 زادت النسبة إلى 10.7% ، وزادت هذا العام إلى أكثر من 11%، لذلك نجد الشباب يتجه إلى الهجرة غير الشرعية ، و فقدان الشباب الأمل في إيجاد فرص العمل سواء في تخصصاتهم أو حتى في غيرها التي أصبح البحث عنها كالحلم الذي يلوح من بعيد ولا يستطيع احد تداركه .
فاستمرار الحكومة في سياسة الإعتماد على القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل للشباب يؤدي إلى تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلى الإنتحار الجماعي في البحر المتوسط، فقد تم إلغاء تعيين الخريجين منذ عام 1984 سواء الحاصلين على المؤهلات المتوسطة أو خريجي الجامعات الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المهاجرين المصريين إلى أوروبا.